عِلم التنجيم والكارما التبتيَّة-المنغوليَّة - الجزء الاول
ألكسندر بيرزين
ميونخ، ألمانيا
١٣ يونيه سنة ١٩٩٦ م
ألكسندر بيرزين
ميونخ، ألمانيا
١٣ يونيه سنة ١٩٩٦ م
فوائد دراسة التنجيم
في السياق البوذي عندما نُؤكِّد من جديد على دافعنا في بداية المحاضرة فنحن نُؤكِّد دائمًا على أن هدفنا في الاستماع هو تعلُّم شيء يمكن أن يساعدنا في حياتنا. ونحنُ نرغب بشكلٍ خاص في تعلُّم شيءٍ يساعدنا في حلِّ مشاكلنا، بالإضافة إلى تعلُّم شيءٍ يساعدنا في تقديم أفضل مساعدة للآخرين، وعندما نُفكِّر بعِلم التنجيم في هذا السياق فعلينا أن نكون واضحين بالنسبة لما يمكننا أن نستقيه - فعلاً – من دراسته وتعلُّمه.
فعلى أحد المستويات يُساعدنا عِلم التنجيم على معرفة ما قد يحدث في المستقبل، واعتمادًا على هذه المعرفة يمكننا اتخاذ إجراءات احتياطية لتفادي الصعوبات. الدارما تعني حَرفيًّا إجراءات احتياطية، ولكن علينا أن نحذر حتى لا نتحوَّل إلى متشائمين، وأن نعتقد أن كلَّ شيء مُقدَّر – لا مناصَ من حدوث بعض المشاكل – وهذه النظرة ليست هي النظرة البوذية للحياة أبدًا، خاصَّةً عندما ننظر إلى عِلم التنجيم التنبُّئي، ومن الضروري أن نفهمه ضمن سياق التعاليم البوذية للكارما.
وعلى مستوى آخر يمنحنا عِلم التنجيم خطوطًا إرشادية لفَهمِ أنفسنا بصورةٍ أفضل؛ بحيث نكتسب فكرةً ما حول مشاكلنا العاطفية. وعلى مستوى عام أكثر تعطينا خصائصه حول الكواكب والعلامات وما إلى ذلك بنيةً تحليلية، ننظر من خلالها إلى حياتنا وشخصياتنا.
وعندما نرغب في مساعدة أحدهم فليس من السهل الحصول على فكرة واضحة حول نوع المشكلة التي قد يعاني منها الشخص، أو الطريقة الأفضل للتواصل معه. فبعض المعرفة حول برجه ومقارنته ببرجنا يساعد على تكوين فكرة حول كيفية التوجه إلى هذا الشخص في المقام الأول. ومرة أخرى علينا أن ننظر إلى ذلك ضمن سياقٍ بوذي، ومن المهم جِدًّا تفادي وضع الأشخاص ضمن قوالب جامدة والتفكير هكذا: "حسنًا، هذا الرجل ينتمي إلى الميزان وأنا إلى الأسد، عليَّ أن أتصرَّف معه بهذه الطريقة. تلك المرأة تنتمي إلى برج الثور، لذا عليَّ التصرُّف معها على هذا النحو". فمثل هذا التفكير الخاطئ لا يترك مجالاً للتواصل مع الشخص، ويمكن لعِلم التنجيم أن يكشف البطاقة الأولى لتلعبها معه. علينا أن نتوجَّه إلى عِلم النجوم من هذا المنظور، وأن نربطه دائمًا بالتعاليم البوذية حول الكارما والبُطلان.
من بين التقاليد المثيرة لعِلم التنجيم في العالَم يُعَدُّ النظام التبتي-المنغولي أحد أكثر الأنظمة تعقيدًا، فهو أعقد بكثير من عِلم التنجيم الغربي. وهنا علينا – ببساطة – أن نُجري مسحًا موجَزًا حول الموضوع؛ كي يتسنَّى لنا تكوين فكرة مُعيَّنة حول ما يحتويه، ويُعَدُّ عِلم التنجيم المنغولي مختلفًا بعض الشيء عن النظام التنجيمي التبتي، لكن الآن دعونا نتحدث عن النظام التبتي-المنغولي بشكلٍ عامٍّ مُقدِّمةً لهذا العِلم، وبعدها يمكننا الانتقال إلى علاقة عِلم التنجيم بالكارما والبُطلان. وهذه المناقشة الأخيرة ليست مقصورة أو محدودة على عِلم التنجيم التبتي-المنغولي، بل تتعلَّق بكل أنظمة عِلم التنجيم.
مجال عِلم التنجيم التبتي-المنغولي
تتناول دراسة عِلم التنجيم التبتي-المنغولي عدة موضوعات، وينظر معظم الناس لعِلم التنجيم على أنه مُجرد حساب الأبراج وتفسيرها، وعندما يتعلَّم المرء عِلم التنجيم التبتي-المنغولي فسيتعلَّم يقينًا أن يفعل ذلك. ولكن الأبراج التبتية والمنغولية لا تُعطِي صورًا عن الشخصية التي يولد بها المرء - أي جدول الولادة – فحسْبُ، وإنما تتوسَّع حول كيفية اكتشاف حياة الشخص على مدار السنوات – جدول التقدم – وهي تنمو بصيغةٍ مختلفة جِدًّا عن تلك الواردة في الأبراج الغربية.
ولا يمكنكم أن ترسموا بُرجًا إذا لم يكن لديكم تاريخ ولادة الشخص وتطوُّر فترة حياته في سياق التقويم. وبذلك ينطوي قسمٌ كبير من الدراسة على الرياضيات والحسابات لبناء التقويميْنِ: التبتي والمنغولي، اللذين يختلفان جِدًّا عن التقويم الغربي. بالإضافة إلى ذلك لا يمكنكم تحديد برج معيَّن إذا لم تعرفوا الموقع الدقيق للكواكب وقت الولادة ولاحقًا في الحياة فقسمٌ كبيرٌ آخر من التدريب إذًا هو الرياضيات لحساب التقويمات الفلكية التبتية-المنغولية، وبتعبير آخر مواقع الكواكب في كل يوم. وهناك بضعة جداول لهذه المواقع موجودة للاستشارة الفورية، كما هي الحال في الغرب، لكن عُلماء التنجيم التبتيين والمنغوليين يَحسُبون غالبًا كلَّ شيءٍ يدويًّا.
وبالتزامن مع الروزنامات يُنشئ المُنجِّمون تقويمات، ويُشير التقويم إلى أكثر الأيام والساعات تبشيرًا للبدء في زراعة المحاصيل في الحقول لحصادها، ولأشياء أخرى مُهمَّة للمجتمع.
ويخلط عِلم التنجيم التبتي-المنغولي بصورةٍ فريدة – كما هي حال الطِّبِّ التبتي-المنغولي - جوانبَ تنبع من أصول هندية ويونانية قديمة وصينية ووسط آسيوية وبونية أصلية، وتنقسم المادة إلى جانبيْنِ رئيسيْنِ: "الحسابات البيضاء" و"الحسابات السوداء". ولا شأن لهذه التسميات بالخير أو الشر، كما هي الحال في اصطلاحَيِ السِّحْر "الأبيض" أو "الأسود"، فالأبيض والأسود هما الاختصار التبتي لأسماء هندية وصينية على التوالي؛ فالهند تُعرَف بالتبتية بأنها "الأرض الواسعة حيث يرتدي الناس فيها الأبيض"، والصين بأنها "الأرض الواسعة حيث يرتدي الناس فيها الأسود".
الحسابات البيضاء والكلاتشاكرا
نشأ الكثير من أنظمة التنجيم المشابهة في الهند، أكثرها هندوسي، وواحد فقط بوذي. ونبعت الحسابات البيضاء أساسًا من النظام البوذي الهندي، الموجودة في موادِّ الكلاتشاكرا تانترا، والكلاتشاكرا تعني "حلقات الحياة"، وتضمُّ ثلاثة مستويات: الحلقات الخارجية والداخلية والبديلة.
تُشير الحلقات الخارجية إلى الحلقات التي يمرُّ بها الكون، وبسبب هذه الحلقات يمكنك قياس الزمن خارجيًّا من خلال النظر إلى فترات مرور الشمس والقمر والكواكب في السماوات. فالبوذية تعرف الوقت بعد كل شيء وسيلةَ قياس للتغير. بالإضافة إلى ذلك، ومن خلال حلقات الأنماط التي تعتمدها الأجسام السماوية في علاقتها مع بعضها البعض إلا الحركة، يمكننا استنتاج الأبراج، فمُجمَل دراسة علم الفلك والتنجيم ترتبط بهذه الحلقات الخارجية.
وداخليًّا يُمكنك كذلك قياس مرور الوقت من خلال الحلقات في الجسم. فعلى سبيل المثال يمكنك قياس الوقت من خلال عدد الأنفاس التي يأخذها الشخص، ويمكن كذلك قياسه من خلال حلقة الطفولة والمراهقة والبلوغ والسِّنِّ المتقدِّمة من حياة الإنسان، أو من خلال دورة الحيض عند النساء. وهكذا فهناك حلقات خارجية وداخلية للوقت، وحسب تعاليم الكلاتشاكرا فإن المجموعتين متوازيتان.
وعندما ننظر إلى الأمر من وجهة نظر بوذية نقول إن المخلوقات العادية لا تتحكَّم بهذه الحلقات، وتنشأ الحلقات من خلال قوة الكارما، أو نبضات من الطاقة. والحلقات الخارجية، التي تشير إلى خرائط انتقال المواقع اليومية للأجسام السماوية، "تنضج" أو تنتج عن الكارما المشتركة العامَّة. أمَّا الحلقات الداخلية، التي تشير إلى خرائط طفولة الأشخاص وتطوُّرهم، فتنضج من الكارما الفرديَّة لكل شخص. ونحن نعاني من كل أنواع المشاكل؛ لأننا لا نتحكَّم بأي من هذه النضوجات الكارمية وتأثيراتها علينا.
فعلى سبيل المثال يتأثَّر بعض الأشخاص بقوَّةٍ بتكوينات بُرجهم الطفولي، فهم يعانون من صعوباتٍ في التعامل مع حياتهم الشخصية، وكذلك مع الحلقات الخارجية، مثل: فصول الشتاء الطويلة أو القمر المكتمِل. ويصبح بعض الأشخاص كسالَى بعض الشيء مع حلول القمر المُكتمل، مثل المستذئبين! ويعاني الناس كذلك من صعوباتٍ في التعامل مع الحلقات الداخلية: حلقة تطور الهرمونات عند مرورها مرحلة سن البلوغ، ودورة الحيض وعملية التقدُّم في السن، وما إلى ذلك. ونجاهد في البوذية للتحرُّر من هذه الحلقات المتكرِّرة التي لا سيطرة عليها، وهي ما ندعوها سامسارا، وللاستمرار حتى نصبح بوذات مُتنوِّرين يمكننا أن نقدِّم أفضل مساعدةٍ للآخرين.
أمَّا الحلقات البديلة للزمن فتنطوي على ممارسات متنوعة لتأمُّلات الكلاتشاكرا للتحرر والتنور، وتكشف هذه النقطة المهمَّة التوجُّه الأساسي الذي تعتمده البوذية تجاه عِلم التنجيم. ونريد أن نتحرَّر من الرضوخ لرحمة الخصائص التنجيمية مثل الأبراج. وطبقًا للبوذية فإن التواصُل الذهني أو المَجْرَى الفِكري لكل فرد قد عاش مشاكل لا أوَّلَ لها، وإذا لم نفعل شيئًا لنغيِّر الحال فسيستمر المجرى الفكري في معاناة تلك المشاكل إلى الأبد، من حياةٍ إلى حياةٍ تالية. ذلك يعني أنَّنا بحاجة إلى تحرير أنفسنا، ليس من أبراجنا الشخصية في هذه الحياة فحسب؛ وإنما نحن بحاجة إلى تحرير أنفسنا من كل الأبراج المُحتمَلة لأي مستقبلٍ خارج إطار السيطرة عند الولادة من جديد. وبكلماتٍ أخرى نهدُف إلى تحرير أنفسنا من دائرة الأبراج نفسها.
ومن خلال هذا التوجُّه يمكننا رؤية أنَّ البرج ليس شيئًا ملموسًا وثابتًا، وليس شيئًا يفرض علينا الطريقة التي يجب علينا يقينًا أن نسير عليها، وأننا لا يمكننا فعل شيء حيال ذلك. نحن نريد تحرير أنفسنا من أية عقبات تخيُّلية مثل هذه، ولفعل ذلك علينا أن نُكوِّن فكرةً ما عن تفاصيل برجنا الخاصِّ، وعن كل الأبراج بشكلٍ عامٍّ. إذًا، هذا هو السياق الذي علينا أن ندرس عِلم التنجيم من خلاله – سواء أكان تبتيًّا-منغوليًّا أم هُندوسيًّا-هنديًّا أم صينيًّا أم عربيًّا أم مانويًّا أم غَربيًّا. ونحن نرغب في التغلب على كوننا تحت سيطرة أبراجنا الشخصية لهذه الحياة، وكذلك على كوننا تحت سيطرة كل الحلقات الدائمة التغيُّرِ للزمن، كما تقيسه الحركة داخل شرْكِ تحوُّلنا إلى مُتشائمين بالنسبة لعِلم التنجيم، خاصَّةً بالنسبة لعِلم التنجيم التبتي-المنغولي؛ لأنه يتحدَّث كثيرًا عن أيام "التفاؤل" وأيام "التشاؤم".
الموضوع يتبع ......