حقيقتك خارج عقلك، سوامي راجنيش
مرسل: الخميس 16-5-2013 12:37 pm
تلك هي رحلتك التي منحوها إسم التديُّن والدين
إنها رحلة بحْثك حتى تكشف الستار عن صَمتٍ وسكونٍ وسكينة ترافقك منذ أبد الآبدين
صمتٌ وسكونٌ وسكينة هي غاية بحثك بعد أن يُناديك ويُناجيك من غيبٍ ساحرٍ مجهول، ذاك الحنين
هذا وحده الدين
بسيطٌ هو… إنه سكونك وصَمْتك وهدوئك في قاع وعُمق وباطن نفْسك… ها قد وصَلْت.
ها قد خرَجْت وحلَّقْت.
أنت خارج عقلك… لا عقل
رحلة الدين ليست سوى بحثك عن حالة لاعقلك
أنت لست العقل … أنت لست العاطفة، وأنت لست الجسد
لن يبقى معك حين يُعلن الزمان موعد افتراقك عن جسدك، سوى حالة لاعقلك
هذه رحلة بحثك … تديُّنك يعني سيْرك على دربك حتى تحلّق خارج عقلك، في سماء لاعقلك
رحلة بحثك عِمادها كيفية تحويلك تردداتك وذبذباتك …
ما أنت سوى ترددات وذبذبات، ما نسميها بقوة الحياة.
كيفية تحويلك قوة حياتك أعلى وأعلى وأعلى …
كيفية بلوغك لحظة تكون قوة حياتك فيها أعلى وأعلى وأعلى
إلى أن تخترق وتُحَلِّق على جبال هكذا لحظة فتحيا فيها بانتشاء
لحظة بلوغك لحظة انتشائك داخلك، هي لحظة تبَخُّر كل شيء وتلاشيه من كيانك، إنها لحظة اختفاء
في هكذا لحظة لن تكون رجلاً ولا إمرأة …
لن تكون هذا ولا ذاك …
لن تكون صالِح ولا طالِح
ستكون ببساطة في حال اكتفاء وانتشاء
نشوتك تولد حينما يتبخّر ويتلاشى عقلك
نشوتك وسط حال تبخُّر عقلك، هي أنت تعانق الله وجهاً لوجه
لحظتك هذه فيها مذاق حقيقة كيانك المُنير … مذاق كل بوذا ومُحَمَّد ويسوع ولاوتسو يسكُن فيك
لحظتك هذه تُشعِرَك بذُروة حياتك وبها تغمُرَك. لحظتك هذه هي حال وعيك في سماه ومداه. في قمة ارتفاعه
في أحضانها تنهمر عليك أمطار النّعمة. تقوم بإرسالها لك، النشوة
رحلة بحثك ليست سوى عن تجاوُزك …
تجاوُزك عقلك
المُتَأمِّل لا يشغَل باله بعقله ومشاكله أبداً …
إن العقل لم ولن يكُفّ عن ابتداع المشاكل دائماً وأبداً …
لم ولن يكُفّ عن ابتداع الأفكار والعواطف دائماً وأبداً …
لن ترتاح في صُحبتك لعقلك أبداً
مستحيلٌ عليك إيقاف عقلك …
مستحيلٌ عليك تطهير عقلك
دَع العقل يستمر إذاً.
دَعْهُ يهذي ويتابع رحلته بجنون …
وأنت إمشي رحلتك داخلك من خلال تجاوزك عقلك تماماً
مجرّد تجاوُزك عقلك لتُحَلِّق في عالمٍ أعلى منه كنتَ طوال عمرك تَجْهَله، يُحَوِّل العقل لك خادماً
يتحول لخادمٍ جميل والسبب في تحوُّلِه أنك ما عُدْتَ مشغولاً به، حامِلاً هَمّه، قلقاً بشأنه، مقاتِلاً لأجله، مُتصارعاً معه
فقط تجاوَزه للبُعد الموجود أعلى منه …
عندها سيهدأ من تلقاء نفسه
ترى الناس تقول لك، أسكِت العقل، إمنع العقل، إقمَع أناك …
بالنسبة لي جميع ما يقولونه مجرد هُراء
لا ترمي شيئاً، لا تمنع شيئاً ولا تقمع شيئاً
كيف لك أن ترمي العقل جابِراً إياه على التزام الصمت والسُّكات؟
إنك لو كنتَ على إسكات العقل بقادر، لتمَكَّنتَ إذاً من إزاحة أناك التي تحجب عنك رؤياك لأنك نور الكون المنير.
لعلَّك سيِّد مستنير؟
أنت لم تسلك الدرب بعد
لكنك تُصِرّ على سماع الناس التي تخبرك بأن تُسكِت عقلك وتتخلص من أناك
لا تُسكِت شيء ولا تتخلص من شيء. أنت حتى لا تعلم ما هو العقل وما هي الأنا
ببساطة، تجاهَل عقلك تماماً. لا تُعِر انتباهك لما هو ليس لك. سيهوى ويختفي من تلقاء نفسه
إفهم فقط فنّ تجاوزك عبر حقلك الذبذبي لحالاتٍ وسماواتٍ وأبعادٍ وعوالمٍ أعلى.
وبعد التحليق في حالة انتشاء مع الله، عُد وانظر من حولك، فإنك لن تجد العقل،
لن تجد غير الصفاء
لن تجد عقلك في أي مكان…
حتى أنت لم يعُد لك مكان
فَهمَك ما أقول يعني أن ترضى بحالك الذي أنت عليه وتُبادِله بالقبول.
ما عليك سوى التحليق لحالة الإنتشاء تلك، وستكون في نعيم.
إبقَ كما أنت، مع أناك وعقلك ومشاكلك فإنك لن تجِد لها حلاً مهما حَيِيت.
إستقبلها بالقبول ثم دعْها تتبخَّر حينما تصل للحظة التجاوز والإنتشاء
ستختبر عالماً وبُعداً وكَوناً جديداً تماماً.
طوال عمرنا في الشرق لم نُعِر العقل وما يحويه بداخله أي اهتمام.
بينما الغرب مُنغمِسٌ في العقل ومشاكله ومحتوياته.
لأجل هذا برز في الغرب علم التحليل والطب النفسي.
يحاولون من خلاله أن يحصلوا على عقلٍ أفضل، أن يحُلّوا مشاكل العقل، وأن يجدوا لأسئلته إجابات.
لكن جميع ما يفعلوه ويُحَلِّلوه ويجدوه لا يزال داخل عوالِم العقل وأبعاده.
والعقل لا وجود له كونياً.
وجود العقل قائم لأنك ربطْتَ هوية وجودك بوجوده الواهِم.
عرَّفْتَ وجودك بمفاهيمه هو عن الصح والخطأ
باتت هويّتك مفاهيمه وبؤسه وجنَّته وجحيمه
هكذا أنت مرتبط به ولستَ مفصولاً عنه. وارتباطك بعقلك هو له بمثابة الغذاء.
صَهْر هويّتك بعقلك يُغذّيه ويقوّيه.
لأجل هذا لا يكُفّ الغرب عن النظر والبحث داخل العقول.
لا يكُف عن إعطائك الإجابات والحلول.
عن إخبارك كيف تقوم بالتخلُّص من بؤسك وكيف تحُلّ مشاكلك.
في الشرق لم نلجأ لحلّ أي مشكلة أبداً، لأننا نعلم بأن العقل بأكمله هو المشكلة أصلاً
لذا لا تضيِّع وقتك منغمِساً في عقلك تدور في دوائر مُفرَغة
حلِّق خارج العُلبة … إقفِز من العُلبة ودَع العقل يفعل أيّاً ما يريد فِعله. تجاهَله فقط ولا تصهِر هويّتك به
فَهمك لما أقول هو دربك لاستنارتك
لست بحاجة فكّ برمَجَتك، لستَ بحاجة حَلّ مشاكل عقلك. لستَ بحاجة فِعل أي شيءٍ أبداً
تعلَّم فقط فن التحليق إلى حالات وأبعاد وسماوات أعلى. لهذا السبب أسمّي التأمل (التديُّن) بالتحوُّل العامودي
هو ليس معلومات
هو ليس تعليماً
إنه رمي جميع ما تعَلَّمته … فَصْل نفْسك عن كل ما عرَفته
تنَحّى جانباً وقِفْ بعيداً عن العقل ومشاكله
أنت سماء زرقاء وتحتها تجري الغيوم على اختلاف أشكالها وأنواعها
تجِدك تقول هذه غيمة سوداء، لابد أنها طالِحة. وتلك غيمة بيضاء، لابد أنها صالِحة، بل قدّيسة
هذه الغيمة صديقتي والأخرى عدُوَّتي
لكنها جميعها مجرد غيوم. أنت لستَ بغيمة، لكنك وحَّدْتَ ذاتك بها
وهكذا هو حالك مع عقلك
أنت السماء الزرقاء والعقل غيومٌ تمُرّ.
راقِبها مِن على بُعد.
شاهِدها من مسافة بعيدة…
لا تربُط نفْسك بها، لا تتعلّق بها، لا تظُنّها أنت…
هكذا ستغوص في نعمة صمتك أعمق وأعمق يوماً بعد يوم.
ستصِل يوماً بعد يوم إلى مساحة تسكن أعماقك،
مساحة تسكُنُها سكينة فارغة من كل محتوى حتى نفْسك