
من السهل أن تتعرف على نفسك .. كل ما عليك هو أن تستيقظ من نومك وتنفض عنك غبار الأحلام.. وتعود إلى ذاتك ماسحًا كل الأوهام ... لا داعي لأن تتعلم أشياء إضافية ... بل عليك أن تمسح ما تعّلمَته عن بعض الأمور ففط:
أولاً : عليك أن لا تبقى منشغلا بالأشياء ...
وثانياً : عليك أن لا تنهم وتهتم بالأفكار ...
وثالثاً : عليك أن تكون شاهدًا على كل شيء.. وهذا الأمر سيحدث من تلقاء نفسه .


في البداية ابدأ بمراقبة الأشياء الجامدة ..
اجلس صامتًا ، وانظر إلى إحدى الأشجار.. ُ كن متيقظًا واعيًا فقط ،
لا تفكر بأمر الشجرة أبدًا .. ولا تسأل أي نوع من الأشجار هي ... ولا كم هي جميلة أو طويلة... لا تهتم لكونها خضراء زاهية ... أو يابسة ذابلة... لا تنسج أفكارًا من حولها ... بل امضِ في مراقبتها والتمعن فيها فحسب...
يمكنك أن تراقب أي شيء.. نجمة ، زهرة ، أو صورة ما... ولكن تذكر أمرًا واحدًا: عندما تأتيك الأفكار ارمِها بعيدًا ، وتابع النظر لذلك الشيء من جديد .. سيكون ذلك صعبًا في البداية ، لكن بعد فترة ستتشكل فواصل خالية من الأفكار... الشجرة هنا ، وأنت هنا ، والمدى بينكما.. وهذا المدى خالي من الأفكار وضجيجها ... فجأة سيشع في داخلك ابتهاج كبير ، دون سبب على الإطلاق .. وهكذا تكون قد تعّلمت السر الأول .. والآن يجب أن يستعمل بطريقة أرق وأرفق ...
الفرح كان موجودًا مسبقًا ، ولكنه كان مختفيًا وراء غيوم الأفكار والمحاكمات ... لأننا غالبًا نركب رؤوسنا ، ونمضي في طريق الأفكار لنتلقى الضربة تلو الضربة ، ونتعثر العثرة بعد العثرة ... ولكن عندما تزول غيوم الأفكار والأوهام المريضة ، ستسطع شمس الفرح والسعادة مطهرة لنا من كل الأحزان ...
لنبدأ أولا بمراقبة الأشياء فهي مرئية وملموسة ... ثم عندما ننسجم ونتناغم وُنحِس باللحظات التي تختفي فيها الأفكار ولا تبقى إلا الأشياء ، عندها يمكننا القيام بالأمر الثاني :


أغمض عينيك ، وراقب أية فكرة تأتي إليك ، لكن دون أن تفكر بها ، أو تغرق في بحرها ... ستظهر بعض الوجوه في مخيلتك ، أو بعض الغيوم ، أو بعض الرسوم والصور ، انظر إليها فحسب ، دون تفكير أو تفسير ... سيكون هذا الأمر أكثر صعوبة من الأول لأن الأشياء محسوسة ومألوفة أكثر ، أما الأفكار فهي أخف وأرهف ... لكن إذا حدث الأمر الأول ، سيحدث الثاني... إنها مسألة وقت وصبر ليس إلا..
واصل مراقبة تلك الفكرة وستختفي يومًا ما ، ولن يعود لها وجود ، لتبقى وحدك مع الوجود والموجود ..
قد يحدث هذا الأمر بعد بضعة أيام ، أو أسابيع ، أو شهور ، أو قد يستغرق عدة سنوات ..
يعتمد ذلك على مدى تصميمك وتركيزك وإخلاصك عند القيام به...
ببراءة طفل وشوق عاشق وتوق باحث صادق ...
وعندها ستشعر بابتهاج عظيم يهتز له القلب ويطرب أكبر بألف مرة من الابتهاج الأول !...


هذه هي الخطوة الثانية .. وعندما تحدث يمكنك القيام بالثالثة وهي: مراقبة المراقب ...
سيكون هذا أمرًا صعبًا من جديد ، لأننا نعرف كيف نراقب شيئًا ما ، أو فكرة ما فحسب ... حتى الفكرة هي أمر تستطيع أن تراقبه ، ولكن الآن لم يعد يوجد أي شيء ... إنه الفراغ المطلق والصفاء التام ... الأشياء قد تلاشت ، وكذلك الأفكار ... أنت وحدك فقط ، وعليك أن تكون واعيًا ، متيقظً ا، مراقبًا للمراقب ، وشاهدًا على الشاهد ...


لهذا عد إلى نفْسك ، وراقب نفْسك لتعرف نفسك ، فأنت الشاهد لا المشهد ... وكلما غصت أعمق فأعمق داخل ذاتك ، سما قلبك أعلى فأعلى في سماوات أسمى وأحلى...
استمتع بهذه الوحدة... هنا السر الأكبر .... وحتمًا ستأتي اللحظة التي تلامس فيها روحك الحرة الطليقة ، وعندها ستعرف وللمرة الأولى معنى الفرح الحقيقي ...
إنه بَلون الأرض ، بلون السماء... بلون الماء ولون الهواء... يسع الأكوان كلها ، والموسيقى كلها ...
هذا الفرح ليس أمرًا عارضاً يصيبك ، ولهذا فمن غير الممكن أن يؤخذ أو يسلب منك ... إنه ذاتك الحقيقية ، ولا مجال الآن لفقدانه أو خسرانه .. فرح خالد يستمر على مدار الأيام والأعوام...
ما عليك إلا أن تمسح تعّلقك بالأشياء ، وبالأفكار... وأن تصبح شاهدًا على الأشياء الملموسة ، فالأشياء الأدق ، ثم على ما هو أبعد من كليهما … وستصل لما تريد حتماً ، ولما هو أبعد وأسمى وأعمق لتوسيع الوعي والمدارك .. وحول كل ما تتوق له نفسك وقلبك من تحرر وانفتاح .


Nizar Shadid

