تعلم من الحمار
مرسل: السبت 1-5-2010 9:40 pm
تعلم من الحمار
هل رأيتَ حماراً من قبل، يسأل حماراً آخر عن الطريق..!!؟
أو هل رأيت حماراً تائهاً في حياتك...؟ وحتى عندما يضيع الحمار... فإن صاحبه الإنسان هو الذي يضيع عنه في حقيقة الأمر!
اعتقد إن الحمار الطبيعي لا يحتار أبداً... لأنه يتبع حدْسه وفطرته فقط...
الحمار كلّه ثقة وإقدام، ذيلٌ للخلف وأربع حدوات إلى الأمام...!
أما صاحبنا الإنسان الذي ضاع وراء أوهامه منذ بداية الزمان... يعتبر الحيرة والتردّد أمراً عادياً... فيخسر الكثير من طاقة حياته الثمينة نتيجة لذلك.
كان هناك رجلٌ يعمل في بيع الحليب وتوزيعه على المنازل... وبعد أن انتهى من جولته الصباحية في المدينة... أوقف عربته التي يجرّها حمار عند باب الدار... ودخل إلى الحانة ليشرب كأساً ويرتاح قليلاً...
بعد أن شرب وانتعش... خرج من الحانة ليجد بأن حماره مطليٌّ بالدّهان الأخضر!!... فغضبَ واحمرّ وجهه، وعاد إلى الحانة سريعاً وهو يصرخ:
"من هو ذلك النّذل الخسيس الذي دهنَ حماري؟"
وإذْ برجلٍ ضخم طويل القامة عريض المنكبين مفتول العضلات والشاربين ينهض من على كرسيه ويقول:
"أنا من فعل ذلك يا ابن الـ... هل لديك أي مانع...؟"
فقال البائع المسكين وهو يرتجف خوفاً:
"لا... لا...لا أبداً... أردتُ فقط أن أخبرك بأن وجه الدهان الأول قد جفّ وبإمكانك الآن أن تبدأ بالوجه الثاني...!!"
الفكر كما ترى مفيدٌ جداً...!! وخاصةً في مواقف كهذه... ولكن تذكّر بأنه الخادم فقط وبأنك أنت مَن يستخدمه...
على الإنسان أن ينظر إلى الغريزة بقداسة... وألا يُعكّر صَفوها وبراءتها عن طريق فكره الملوَّث... بل على الفكر أن يشقّ طريقاً من الغريزة إلى الحدْس وأن يصبح خادماً له...
فتُصبح أميراً على بصيرتك التي لا تزول....
وعندها فقط ستكون قادراً على أن تفهم الحياة وتعيشها بعمق وبشكر وامتنان... وأن تفهم وتشعر بالسعادة الحقيقية الموجودة في كل مكان وزمان...
وستتحول حياتك كلها إلى جنةٍ من نور...
إلى احتفالٍ من المرح والبَركة لا ينتهي أبداً...
الحدس هو الدرجة الأعلى في سلّم الحياة... سلّم الوعي الصافي... والذي يمكننا أن نراه هنا بثلاث درجات...
الأولى وهي الغريزة... والثانية هي الفكر... والأخيرة والأعلى هي الحدس.
هذه المراحل لا يمكنك أن تتعلّمها في أي مدرسة أو علم خارجي أبداً... فهي مراحل من التطور الذاتي الداخلي...
أما في عالم الحيوان وباستثناء فصيلة الحمير طبعاً... فإن كل ما تراه يحدث بسبب الغريزة فقط...
حتى لو رأيتَ علاماتٍ لمستوى أعلى من الغريزة، فما ذلك إلا انعكاسات لأفكارك ومشاعرك أنت!... حيث يمكن أن تظن مثلاً بأنه يوجد حب وحنان من قبل الأم تجاه صغارها... ولكن ببساطة ما هذه إلا غريزة...
والحيوانات تقوم بذلك دون أي خَيار أو إرادة... فهي مجرد وسيلة في يد الطبيعة...
إن تسعين بالمئة من حياة الإنسان مازالت جزءاً من عالم الحيوان!!... فأنت قد تقع في حب امرأة ما... أو أن امرأةً قد تقع في حبّك... وتظنّ بأنه شعورٌ عظيم وراقي جداً... ولكن مع الأسف يا عزيزي لا شيء من العظمة في ذلك وما هي إلا ظاهرة غريزية بحتة!... ظاهرة تجاذب بين هرمونات متعاكسة، وأنت كالدمية في يد الطبيعة...
الجنس من دون حب عملية قذرة ومُقرِفة، والطبيعة تخاف عليك من الانقراض، لذلك قامَت بتغليف حبّة الدواء المرّة بطبقة من السكّر والرّومانسية لكي تبتلعها بسهولة!!
فلا تُبقي الحبّة في فمك طويلاً لكي لا يذوب السكر وتظهر المرورة!!!!
الإنسان يشعر بالخزي والعار والخوف من غريزته... فينسج حولها حبّاً فلسفيّاً وشعراً ومشاعراً وعواطف...
أما أن تقول له بأنها غريزة كيميائية فقط... فأنت تُهينه بذلك... لأنه يحاول بشتّى الطرق والوسائل أن يبتعد ويهرب عن طبيعته وفطرته...
نظرتك المشوَّهة هذه، التي تعتبر أن الغريزة شيء حيواني أي شيء سيء وسافل، لن تجعلك ترتفع من المقام الأول الذي تحدّثنا عنه سابقاً...
عليك أن تفهم وترى الأمور بوضوح تام، وإلا فإنك ستبقى مضطرباً وستقع ضحيةً لأنانيتك وكبريائك... لأن الأنا ستستمر في تجميل وتزيين كل أفكارك وعواطفك وستجعلك تظنّ بأنها تنتمي إلى مستوى رفيع وراقي وإنساني جداً، بعيدٌ كل البعد عن الحيوانية البدائية...
الحمار يا عزيزي لا يحتار... لأنه لا يملك الخيار...
أما عند الإنسان فالغريزة لوحدها لا تجعله إنساناً...
وإنّما حيواناً يمشي على قائمتين...
الدرجة الثانية من سلّم الوعي بعد الغريزة هي الفكر،
الذي يمنحك مجالاً أبعد من البيولوجيا والغريزة... وهو يُولَد في داخلك ذاتياً أيضاً، مثل الحدس والغريزة... وهو غير قابل للاكتساب من الخارج وإنما بالإمكان أن يصبح كلّه فعّالاً ويعمل بشكل كلّي متناغم...
في الواقع إن أكثر البشر ذكاءً يستخدمون 10% فقط من إمكاناتهم الفكرية... والناس العاديين يستعملون حوالي
2-5%... إذاً هناك خمسة وتسعون بالمئة من الذكاء البشري يبقى في الظلام بدون كشف ولا اكتشاف... لكنها قابلة وجاهزة للاستعمال دوماً عندما تكون أنت واعياً وجاهزاً وحاضراً... وعندئذٍ ستظن بأنه نموٌ هائل في الذكاء والوعي لكنك ببساطة تكون قد كشفتَ واستخدمتَ ما كان متوفراً لديك دوماً... ولم ينقطع عنك أبداً... لكنك أنت من انقطع وانفصل عن ذاته الكاملة...
لقد وجد البشر طرقاً كثيرة لزيادة الذاكرة وحفظ الأفكار وتخزينها... لكن كل الأنظمة التعليمية في كل المدارس والجامعات وحتى دين هذه الأيام تقوم بشيء واحد فقط:
وهو جعل الفكر أكثر تركيزاً وقوّةً...
الفكر أعمى يجرّ أعمى... والضحية تقتل ضحية أخرى...
والهَبَل يزداد... وماتَت حكمة الأجداد في الأولاد...
إن الفكر يحاول أن يسيطر دوماً... فهو لديه القوانين والبراهين والمنطق والنّقاش والجدال والأسئلة والأجوبة... وذلك يساعده كثيراً في القمع والكبت...
فيُوحي إليك هذا الفكر الناقص بأن الغريزة شرٌّ خالص... ولذلك نجد أن معظم رجال الدين المُفكّرين غير المُتفكِّرين يحاربون الغريزة... لأنهم يرون الدين من وجهة نظر ضيقة جداً... وأحياناً عمياء تماماً...
أما صديقنا الحمار... بريءٌ ونظيف من كل ذنب وعار وغبار... لأنه لا يفكر أبداً... وليس لديه أي صراع داخلي...
الحدس يتربّع على قمة النور العالية فيك... لكن اللاوعي المليء بالكبت والضباب والظلام... يُعيقك من الوصول إلى تلك القمة... ولكي تنظفه عليك أولاً أن تُشبعه وترضيه تماماً... وعندئذٍ يتدفّق في فكرك تيارٌ جديد مُنعش من الطاقة التي تحوّله إلى ذكاء...
وتستمر الطاقة بالارتفاع والارتقاء حتى تفتح أبواب الحدس... وتكون قد وصلتَ إلى بيتك... وأصبحتَ إنساناً حقيقياً لأول مرة... وكأنك وُلِدت من جديد...
إن حمارنا يا عزيزي القارئ لا يمكنه أن يُعلّمك الحدس... لكن بإمكانه أن يساعدك في اتخاذ البداية الصحيحة...
انظر إليه كيف أنه مُسترخٍ تماماً... يهزّ ذيله بحرية عندما يريد... يستمتع بالجلوس لفترات طويلة في الظل متأمّلاً...
ثم يشنهق بأعلى صوته ومن كل قلبه... فما الذي يدور في داخله...؟!
ببساطة... لا شيء يدور في داخله... وإنما هو في قمة الاسترخاء والاستسلام...!
الحدس يا عزيزي تصل إليه بالاسترخاء والاستمتاع بكل ما تهبه لك الحياة بدون فواتير ولا حسابات... وكل ما تراه في هذا العالم من اختراعات وتطوّرات واكتشافات... لم يأتي من الفكر... بل أتى من الحدس أولاً ثم تُرجِم وتجسّد من خلال الفكر كوسيلة فقط...
وهذا الأسلوب الذي يعود الفضل في معرفته إلى حمارنا الحكيم، استخدمه جميع العلماء والمخترعين على مر الأيام والسنين...!!!!!!!
فأرخميدس الشهير كان مُستلقياً في البانيوو ومُستمتعاً بحمّامه عندما جاءه الحل والكَشْف... فخرج يركض في الشارع عارياً وهو يصرخ: وجدتُها... وجدتُها. وكانت نشوته كبيرة جداً لدرجة أنه نسي أمر ملابسه والناس من حوله...!
آينشتاين أيضاً كان يستعمل أسلوب حمارنا الحكيم...
فقد كان يُحبّ أن يُمضي ساعات طويلة في الحمام وهو يُداعب فقاعات الصابون...
قد تكون شنهقة الحمار بُرهاناً جديداً وأكثر وضوحاً للنظرية النسبية... لأنه يعيشها أكثر من الإنسان في هذه الأيام!
آآآه ما أصعب هذا في هذا الزمان... لأننا تعوّدنا أن نسكن ونعيش في فِكرنا دوماً... وكل المدارس والجامعات والثقافات ونماذج الحضارات الحديثة نشأت من الفكر أيضاً... ونحن مُحاصَرون بها من كل الجهات حتى فقدنا الصّلة مع ذاتنا... مع المرشد الداخلي الذي يُولَد في كل منّا عندما يُولَد... وهو الآن نائم ومشلول تماماً... لكن بإمكانك أن تُحييه وتُنعشه من جديد حالما تبدأ بالبحث عنه والتوجُّه إليه...
لا تُفكّر في رأسك... فقط تقدَّم بثقة... وبإمكانك أن تبدأ بتجريب ذلك في بعض المواقف البسيطة عندما يكون من السهل عليك أن توقف تفكيرك تماماً... وسيكون الأمر صعباً في البداية لأننا تعودنا أن نبدأ من الفكر أولاً...
وفي الحقيقة فإن كل الحكماء والمعلمين والأنبياء كانت رسالتهم واحدة وهي مساعدتك في الوصول إلى المعلّم الداخلي الذي فيك... وهذا المرشد الداخلي هو الذي يقودك إلى الحقيقة...
فالمعلم الحقيقي هو الذي يدفعك إلى التوجُّه من الرأس إلى السّرة... من طاقة التفكير والتحليل إلى طاقة الحدس...
من الجدال والنقاش الفكري إلى الثقة المطلقة الواعية بالمعلم والدليل الداخلي... أي ببساطة: الإيمان بالله......
لا تبقي غارقاً في الحيرة...لان الحمار نفسة لا يحتار
تحياتي
منقول
هل رأيتَ حماراً من قبل، يسأل حماراً آخر عن الطريق..!!؟
أو هل رأيت حماراً تائهاً في حياتك...؟ وحتى عندما يضيع الحمار... فإن صاحبه الإنسان هو الذي يضيع عنه في حقيقة الأمر!
اعتقد إن الحمار الطبيعي لا يحتار أبداً... لأنه يتبع حدْسه وفطرته فقط...
الحمار كلّه ثقة وإقدام، ذيلٌ للخلف وأربع حدوات إلى الأمام...!
أما صاحبنا الإنسان الذي ضاع وراء أوهامه منذ بداية الزمان... يعتبر الحيرة والتردّد أمراً عادياً... فيخسر الكثير من طاقة حياته الثمينة نتيجة لذلك.
كان هناك رجلٌ يعمل في بيع الحليب وتوزيعه على المنازل... وبعد أن انتهى من جولته الصباحية في المدينة... أوقف عربته التي يجرّها حمار عند باب الدار... ودخل إلى الحانة ليشرب كأساً ويرتاح قليلاً...
بعد أن شرب وانتعش... خرج من الحانة ليجد بأن حماره مطليٌّ بالدّهان الأخضر!!... فغضبَ واحمرّ وجهه، وعاد إلى الحانة سريعاً وهو يصرخ:
"من هو ذلك النّذل الخسيس الذي دهنَ حماري؟"
وإذْ برجلٍ ضخم طويل القامة عريض المنكبين مفتول العضلات والشاربين ينهض من على كرسيه ويقول:
"أنا من فعل ذلك يا ابن الـ... هل لديك أي مانع...؟"
فقال البائع المسكين وهو يرتجف خوفاً:
"لا... لا...لا أبداً... أردتُ فقط أن أخبرك بأن وجه الدهان الأول قد جفّ وبإمكانك الآن أن تبدأ بالوجه الثاني...!!"
الفكر كما ترى مفيدٌ جداً...!! وخاصةً في مواقف كهذه... ولكن تذكّر بأنه الخادم فقط وبأنك أنت مَن يستخدمه...
على الإنسان أن ينظر إلى الغريزة بقداسة... وألا يُعكّر صَفوها وبراءتها عن طريق فكره الملوَّث... بل على الفكر أن يشقّ طريقاً من الغريزة إلى الحدْس وأن يصبح خادماً له...
فتُصبح أميراً على بصيرتك التي لا تزول....
وعندها فقط ستكون قادراً على أن تفهم الحياة وتعيشها بعمق وبشكر وامتنان... وأن تفهم وتشعر بالسعادة الحقيقية الموجودة في كل مكان وزمان...
وستتحول حياتك كلها إلى جنةٍ من نور...
إلى احتفالٍ من المرح والبَركة لا ينتهي أبداً...
الحدس هو الدرجة الأعلى في سلّم الحياة... سلّم الوعي الصافي... والذي يمكننا أن نراه هنا بثلاث درجات...
الأولى وهي الغريزة... والثانية هي الفكر... والأخيرة والأعلى هي الحدس.
هذه المراحل لا يمكنك أن تتعلّمها في أي مدرسة أو علم خارجي أبداً... فهي مراحل من التطور الذاتي الداخلي...
أما في عالم الحيوان وباستثناء فصيلة الحمير طبعاً... فإن كل ما تراه يحدث بسبب الغريزة فقط...
حتى لو رأيتَ علاماتٍ لمستوى أعلى من الغريزة، فما ذلك إلا انعكاسات لأفكارك ومشاعرك أنت!... حيث يمكن أن تظن مثلاً بأنه يوجد حب وحنان من قبل الأم تجاه صغارها... ولكن ببساطة ما هذه إلا غريزة...
والحيوانات تقوم بذلك دون أي خَيار أو إرادة... فهي مجرد وسيلة في يد الطبيعة...
إن تسعين بالمئة من حياة الإنسان مازالت جزءاً من عالم الحيوان!!... فأنت قد تقع في حب امرأة ما... أو أن امرأةً قد تقع في حبّك... وتظنّ بأنه شعورٌ عظيم وراقي جداً... ولكن مع الأسف يا عزيزي لا شيء من العظمة في ذلك وما هي إلا ظاهرة غريزية بحتة!... ظاهرة تجاذب بين هرمونات متعاكسة، وأنت كالدمية في يد الطبيعة...
الجنس من دون حب عملية قذرة ومُقرِفة، والطبيعة تخاف عليك من الانقراض، لذلك قامَت بتغليف حبّة الدواء المرّة بطبقة من السكّر والرّومانسية لكي تبتلعها بسهولة!!
فلا تُبقي الحبّة في فمك طويلاً لكي لا يذوب السكر وتظهر المرورة!!!!
الإنسان يشعر بالخزي والعار والخوف من غريزته... فينسج حولها حبّاً فلسفيّاً وشعراً ومشاعراً وعواطف...
أما أن تقول له بأنها غريزة كيميائية فقط... فأنت تُهينه بذلك... لأنه يحاول بشتّى الطرق والوسائل أن يبتعد ويهرب عن طبيعته وفطرته...
نظرتك المشوَّهة هذه، التي تعتبر أن الغريزة شيء حيواني أي شيء سيء وسافل، لن تجعلك ترتفع من المقام الأول الذي تحدّثنا عنه سابقاً...
عليك أن تفهم وترى الأمور بوضوح تام، وإلا فإنك ستبقى مضطرباً وستقع ضحيةً لأنانيتك وكبريائك... لأن الأنا ستستمر في تجميل وتزيين كل أفكارك وعواطفك وستجعلك تظنّ بأنها تنتمي إلى مستوى رفيع وراقي وإنساني جداً، بعيدٌ كل البعد عن الحيوانية البدائية...
الحمار يا عزيزي لا يحتار... لأنه لا يملك الخيار...
أما عند الإنسان فالغريزة لوحدها لا تجعله إنساناً...
وإنّما حيواناً يمشي على قائمتين...
الدرجة الثانية من سلّم الوعي بعد الغريزة هي الفكر،
الذي يمنحك مجالاً أبعد من البيولوجيا والغريزة... وهو يُولَد في داخلك ذاتياً أيضاً، مثل الحدس والغريزة... وهو غير قابل للاكتساب من الخارج وإنما بالإمكان أن يصبح كلّه فعّالاً ويعمل بشكل كلّي متناغم...
في الواقع إن أكثر البشر ذكاءً يستخدمون 10% فقط من إمكاناتهم الفكرية... والناس العاديين يستعملون حوالي
2-5%... إذاً هناك خمسة وتسعون بالمئة من الذكاء البشري يبقى في الظلام بدون كشف ولا اكتشاف... لكنها قابلة وجاهزة للاستعمال دوماً عندما تكون أنت واعياً وجاهزاً وحاضراً... وعندئذٍ ستظن بأنه نموٌ هائل في الذكاء والوعي لكنك ببساطة تكون قد كشفتَ واستخدمتَ ما كان متوفراً لديك دوماً... ولم ينقطع عنك أبداً... لكنك أنت من انقطع وانفصل عن ذاته الكاملة...
لقد وجد البشر طرقاً كثيرة لزيادة الذاكرة وحفظ الأفكار وتخزينها... لكن كل الأنظمة التعليمية في كل المدارس والجامعات وحتى دين هذه الأيام تقوم بشيء واحد فقط:
وهو جعل الفكر أكثر تركيزاً وقوّةً...
الفكر أعمى يجرّ أعمى... والضحية تقتل ضحية أخرى...
والهَبَل يزداد... وماتَت حكمة الأجداد في الأولاد...
إن الفكر يحاول أن يسيطر دوماً... فهو لديه القوانين والبراهين والمنطق والنّقاش والجدال والأسئلة والأجوبة... وذلك يساعده كثيراً في القمع والكبت...
فيُوحي إليك هذا الفكر الناقص بأن الغريزة شرٌّ خالص... ولذلك نجد أن معظم رجال الدين المُفكّرين غير المُتفكِّرين يحاربون الغريزة... لأنهم يرون الدين من وجهة نظر ضيقة جداً... وأحياناً عمياء تماماً...
أما صديقنا الحمار... بريءٌ ونظيف من كل ذنب وعار وغبار... لأنه لا يفكر أبداً... وليس لديه أي صراع داخلي...
الحدس يتربّع على قمة النور العالية فيك... لكن اللاوعي المليء بالكبت والضباب والظلام... يُعيقك من الوصول إلى تلك القمة... ولكي تنظفه عليك أولاً أن تُشبعه وترضيه تماماً... وعندئذٍ يتدفّق في فكرك تيارٌ جديد مُنعش من الطاقة التي تحوّله إلى ذكاء...
وتستمر الطاقة بالارتفاع والارتقاء حتى تفتح أبواب الحدس... وتكون قد وصلتَ إلى بيتك... وأصبحتَ إنساناً حقيقياً لأول مرة... وكأنك وُلِدت من جديد...
إن حمارنا يا عزيزي القارئ لا يمكنه أن يُعلّمك الحدس... لكن بإمكانه أن يساعدك في اتخاذ البداية الصحيحة...
انظر إليه كيف أنه مُسترخٍ تماماً... يهزّ ذيله بحرية عندما يريد... يستمتع بالجلوس لفترات طويلة في الظل متأمّلاً...
ثم يشنهق بأعلى صوته ومن كل قلبه... فما الذي يدور في داخله...؟!
ببساطة... لا شيء يدور في داخله... وإنما هو في قمة الاسترخاء والاستسلام...!
الحدس يا عزيزي تصل إليه بالاسترخاء والاستمتاع بكل ما تهبه لك الحياة بدون فواتير ولا حسابات... وكل ما تراه في هذا العالم من اختراعات وتطوّرات واكتشافات... لم يأتي من الفكر... بل أتى من الحدس أولاً ثم تُرجِم وتجسّد من خلال الفكر كوسيلة فقط...
وهذا الأسلوب الذي يعود الفضل في معرفته إلى حمارنا الحكيم، استخدمه جميع العلماء والمخترعين على مر الأيام والسنين...!!!!!!!
فأرخميدس الشهير كان مُستلقياً في البانيوو ومُستمتعاً بحمّامه عندما جاءه الحل والكَشْف... فخرج يركض في الشارع عارياً وهو يصرخ: وجدتُها... وجدتُها. وكانت نشوته كبيرة جداً لدرجة أنه نسي أمر ملابسه والناس من حوله...!
آينشتاين أيضاً كان يستعمل أسلوب حمارنا الحكيم...
فقد كان يُحبّ أن يُمضي ساعات طويلة في الحمام وهو يُداعب فقاعات الصابون...
قد تكون شنهقة الحمار بُرهاناً جديداً وأكثر وضوحاً للنظرية النسبية... لأنه يعيشها أكثر من الإنسان في هذه الأيام!
آآآه ما أصعب هذا في هذا الزمان... لأننا تعوّدنا أن نسكن ونعيش في فِكرنا دوماً... وكل المدارس والجامعات والثقافات ونماذج الحضارات الحديثة نشأت من الفكر أيضاً... ونحن مُحاصَرون بها من كل الجهات حتى فقدنا الصّلة مع ذاتنا... مع المرشد الداخلي الذي يُولَد في كل منّا عندما يُولَد... وهو الآن نائم ومشلول تماماً... لكن بإمكانك أن تُحييه وتُنعشه من جديد حالما تبدأ بالبحث عنه والتوجُّه إليه...
لا تُفكّر في رأسك... فقط تقدَّم بثقة... وبإمكانك أن تبدأ بتجريب ذلك في بعض المواقف البسيطة عندما يكون من السهل عليك أن توقف تفكيرك تماماً... وسيكون الأمر صعباً في البداية لأننا تعودنا أن نبدأ من الفكر أولاً...
وفي الحقيقة فإن كل الحكماء والمعلمين والأنبياء كانت رسالتهم واحدة وهي مساعدتك في الوصول إلى المعلّم الداخلي الذي فيك... وهذا المرشد الداخلي هو الذي يقودك إلى الحقيقة...
فالمعلم الحقيقي هو الذي يدفعك إلى التوجُّه من الرأس إلى السّرة... من طاقة التفكير والتحليل إلى طاقة الحدس...
من الجدال والنقاش الفكري إلى الثقة المطلقة الواعية بالمعلم والدليل الداخلي... أي ببساطة: الإيمان بالله......
لا تبقي غارقاً في الحيرة...لان الحمار نفسة لا يحتار
تحياتي
منقول