الدين والفطرة
مرسل: الأربعاء 21-2-2007 3:23 pm
بسم الله الرحمن الرحيم
منقول من كتاب الالهيات للعلامة العاملي للفائدة
الدين والفطرة
الإِيمان بالمبدأ والتوجه إلى ما وراء الطبيعة من الأمور الفطرية التي عجنت خلقة الإِنسان بها ، كما عجنت بكثير من الميول و الغرائز.
أقول بشكل عام إِنَّ إِدراكات الإِنسان تنقسم إلى نوعين :
1 ـ الإِدراكات التي هي وليدة العوامل الخارجة عن وجود الإِنسان بحيث لولاها لما وقف الإِنسان عليها بتاتاً ، مثل ما وقف عليه من قوانين الفيزياء و الكيمياء و الهندسة.
2 ـ الإِدراكات النابعة من داخل الإِنسان و فطرته من دون أن يتدخل في الإِيحاء عامل خارجي. كمعرفة الإِنسان بنفسه و إِحساسه بالجوع و العطش ، و رغبته في الزواج في سن معينة ، و الإِشتياق إلى المال و المنصب في فترات من حياته. تلك المعارف ـ و إِنْ شئت سميتها بالأَحاسيس ـ تنبع من ذات الإِنسان و أَعماق وجوده. و علماء النفس يدّعون أنَّ التوجه إلى المبدأ داخل تحت هذا النوع من العرفان.
إِنَّ علماء النفس يعتقدون بأَنَّ للنفس الإِنسانية أَبعاداً أَربعة يكون كلُّ بعد منها مبدأً لآثار خاصة.
أ ـ روح الإِستطلاع و استكشاف الحقائق ، و هذا البعد من الروح الإِنسانية خلاق للعلوم و المعارف ، و لولاه لما تقدم الإِنسان منذ أن وجد في هذا الكوكب ، شبراً في العلوم و استكشاف الحقائق.
ب ـ حبّ الخير ، و النزوع إلى البرِّ و المعروف ، و لأَجل ذلك يجد الإِنسان في نفسه ميلا إلى الخير و الصلاح ، و انزجاراً عن الشر و الفساد.
فالعدل و القسط مطلوب لكل إنسان في عامة الأَجواء و الظروف ، و الظلم و الجور منفور له كذلك ، إلى غير ذلك من الأَفعال التي يصفها كل إِنسان بالخير أو الشر ، و يجد في أَعماق ذاته ميلا إلى الأَول و ابتعاداً عن الثاني ،
و هذا النوع من الإحساس مبدأٌ للقيم و الأَخلاق الإِنسانية.
ج ـ عشق الإِنسان و علاقته بالجمال في مجالات الطبيعة و الصناعة فالمصنوعات الدقيقة و الجميلة ، و اللوحات الفنية و التماثيل الرائعة تستمد روعتها و جمالها من هذا البعد.
إِنَّ كل إِنسان يجد في نفسه حبّاً أَكيداً للحدائق الغناء المكتظة بالأَزهار العطرة و الأَشجار الباسقة ، كما يجد في نفسه ميلا إلى الصناعات اليدوية المستظرفة و حباً للإِنسان الجميل المظهر ، و كلها تنبع من هذه الروح التي عجن بها الإِنسان ، و هي في الوقت نفسه خلاّقة للفنون في مجالات مختلفة.
د ـ الشعور الدينى الذي يتأجج لدى الشباب في سن البلوغ ، فيدعو الإِنسان إلى الإِعتقاد بأَنَّ وراء هذا العالم عالماً آخر يستمد هذا العالم وجوده منه ، و أنَّ الإِنسان بكل خصوصياته متعلق بذلك العالم و يستمد منه.
و هذا البعد الرابع الذي اكتشفه علماء النفس في العصر الأَخير و أَيدوه بالإِختبارات المتنوعة مما ركز عليه الذكر الحكيم قبل قرون و أَشار إليه في آياته المباركات ، نعرض بعضها :
أ ـ ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) (1).
إِنَّ عبارة « فِطْرَةَ الله » تفسير للفظة الدّين الواردة قبلها ، و هي تدل بوضوح على أنَّ الدّين ـ بمعنى الإِعتقاد بخالق العالم و الإِنسان ، و أَنَّ مصير الإِنسان بيدهـ شيء خلق الإِنسان عليه ، و فُطر به كما خلق و فُطِر على كثير من الميول و الغرائز.
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ سورة الروم : الآية 30.
ب ـ ( وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ ) (1).
أيْ عرَّفْنا الإِنسان طريقَ الخير و طريقَ الشر. و ليس المراد التعرف عليهما عن طريق الأنبياء بل تعريفهما من جانب ذاته سبحانه ، و إن لم يقع في إِطار تعليم الأَنبياء ، و ذلك لأَنه سبحانه يقول قبله ( لَقَدْ خَلَقْنَا الاِْنسَ ـ نَ فِي كَبَد * ... * أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ* وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ* وَهَدَيْنَ ـ هُ النَّجْدَيْنِ ) فالكل من معطياته سبحانه عند خلق الإِنسان و إبداعه.
و هذا إنْ دلّ على شيء فإنما يدل على أنَّ النظرية التي اكتشفها علماء معرفة النفس مما ركّز عليها الوحي بشكل واضح ، و حاصلها إِنَّ الدين بصورته الكليَّة أَمر فطري ينمو حسب نمو الإِنسان ورشده ، و يخضع للتربية و التنمية كما يخضع لسائر الميول والغرائز.
8O 8O