الدكتور علي العكري في التجربة الاصعب غزه ’14فبراير’ السجن

كل ما ليس له قسم خاص

المشرف: المشرفون

أضف رد جديد
وهج من نور
عضو متميز فعال
عضو متميز فعال
مشاركات: 563
اشترك في: الأحد 16-7-2006 8:05 pm
البرج: الدلو
الجنس: انثى
Bahrain

الدكتور علي العكري في التجربة الاصعب غزه ’14فبراير’ السجن

مشاركة بواسطة وهج من نور »

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

مرآة البحرين (خاص): هذه الحلقات لم يُكتب لها أن تكتمل. قرار القبض كان أسبق منا وأنفذ.. الأربعاء 3 أكتوبر كان هو موعد جلستنا التالية مع الدكتور علي العكري. لكن نطق محكمة التمييز بتأييد حبسه لـ5 سنوات سبقنا في 1 اكتوبر، وتنفيذ قرار (القبض) سبقنا في 2 أكتوبر.

سننشر ما أُنجز منها، مما خصنا به قبل أن يصير في قبضة الجلاد مرة أخرى، وسنكمل معكم يوماً باقي تفاصيل الحكاية، بلسان العكري نفسه..

نعدكم بذلك، ونعد التاريخ.. نعدكم أن نبقى أوفياء، نكتب تفاصيل كل سيرة صنعت هذه اللحظة الوطنية التي ما زلنا نعيشها، فتاريخ 14 فبراير هو مجموع هذه السير.

* تمهيد..

"قرار أن تكون جزءاً من المعادلة هو الأصعب". بهذا أجاب العكري حين سألته عن اختياره الذي ذهب إليه بعد 14 فبراير.

في معادلة المظلوم والمستبد، يكون الاختيار تحدياً محفوفاً بالمخاطرة. يختار البعض أسلم الطرق وأسهلها: السلب. ويختار البعض الاصطفاف مع الأقوى الذي يؤمن له الحماية والحظوة. الأقل يختار الانحياز للمظلوم مهما كانت تبعاته وأثمانه الباهظة. منذ 14 فبراير كان لا بد للبحرينيين أن يختاروا.

منذ 14 فبراير كان لا بد لكل البحرينيين أن يختاروا، ليس مهماً ما أنت وما مهنتك وما موقعك وما وظيفتك، لم يعد ممكناً ألا تختار. الكادر الطبي لم يكن استثناء، لقد اختار الانصات لآلام الشعب، واختار أن ينحاز لهذه الآلام، وقد دفع ثمن هذا الانحياز وهذا الاختيار.

أصعب ما واجهني في كتابة هذه السيرة، هو ترتيب مواعيد اللقاءات مع العكري، وقته صار مزدحماً بالمشاركة في الأنشطة والفعاليات السياسية والحقوقية المختلفة، بالإضافة إلى عمله في عيادته الخاصة. لم يكن كذلك قبل 14 فبراير، ولنكن أكثر دقة، ليس قبل دخوله المعتقل. كان طبيباً ذائباً في عمله وأسرته فقط، الآن صار ناشطاً. لا يخلو برنامجه اليومي من دعوات هنا وهناك، ومشاركات في الفعاليات والمسيرات. من الذي حوّله إلى ناشطٍ بهذا القدر؟ إنه النظام الأرعن. راكم عليه خصومة أكثر من نصف الشعب الذي ما عاد لديه ما يخسره أكثر، وخلق جيلاً جديداً من الناشطين السياسيين والحقوقيين، قوامه المهنيين الذين لم يكونوا يوماً أكثر من مهنتهم.

لسرد تجربته احتجنا لجلسات كثيرة. الجلسة الواحدة تستغرق قرابة 3 ساعات. يتقن العكري سرد التفاصيل الدقيقة بالساعات والتواريخ. لديه ذاكرة تجعلك تستحضر معه اللحظة وكأنك تراها بكل ما فيها من ألم وصراخ وعنفوان.

* لست دينياً ولا سياسياً..

نشأ علي العكري في عائلة يتجاذبها تياران: ليبرالي متطرف، وديني متطرف. جده الملا منصور هو مختار القرية، ولديه حسينية في المنطقة باسمه. عمه الشيخ محمد علي العكري، تعرض للسجن: "كان عمي لديه مشروع إصلاحي كبير، والدي الوحيد ذو الخط الليبرالي". هل كان العكري ليبرالياً مثل والده؟ يقول: "أنا اعتبر ضد التشدد من أي نوع كان. أميل إلى الجانب الديني أكثر من الانفتاح المحض. كنت في محيط عمي الشيخ محمد العكري".

درس في جامعة الموصل في بغداد خلال الأعوام 85-91. شهد حرب الخليج الأولى والثانية: "كنت رئيس اتحاد طلبة البحرين في الموصل، أحب العمل النقابي. عدد أعضاء الاتحاد حينها لم يكن يتجاوز 50 شخصا. لم أكن بعثياً ولم يطلب مني أن أكون كذلك. طلبة الجامعات العلمية غير ملزمين أن يكونوا بعثيين، فقط الكليات الأدبية عليهم أن يكونوا كذلك وفق قوانين الدولة حينها".

هل كان ذلك يعبّر عن توجه سياسي؟ ينفي: "لم يكن للاتحاد خطاً سياسياً، كانت لدي قناعة تامة أن شؤون الطلبة يجب أن لا تسيس. بالنسبة لي، الاتحاد كانت له قوة ويمثل حماية لنا كطلبة، يسهل أمورنا في حالات الغياب والسفر والحضور والإجازات".

بعد انتهائه من الجامعة، صار هم العكري الأول تكوين الشخصية المهنية بالإضافة إلى الحياة الأسرية. تعرف على الدكتورة فريدة الدلال في سنة الامتياز وتزوجا في 1994، ذهب ايرلندا عام 1999 ليتخصص في جراحة عظام الأطفال والقدم والكاحل 2002. التحق بالعمل مرة أخرى حتى صار استشارياً في تخصصه 2004. في 2009 تمت ترقيته ليكون استشاري أقدم (سينيور) في مجال تخصصه.

حتى ذلك الوقت، لم يكن العكري يخرج عن دائرته الخاصة جداً في البيت والعمل: "صرت أسعى أن أكوِّن نفسي كجراح عظام وهذا تطلب امتحانات الزمالة العربية والزمالة الايرلندية. تعديتها كمؤهل علمي إضافي. لم تكن لدي أية ممارسات سياسية، لكني أتابع ما يدور بحكم محيطي. أقاربي يتعرضون للاعتقالات."

* أسبوع في غزة..

في ديسمبر 2007 اشتعلت الحرب على غزة. صار الوضع الإنساني هناك صعباً ومقلقاً. العكري يشعر بالألم والمسؤولية. يتصل بصديقه الدكتور نبيل تمام عضو مجلس إدارة جمعية الأطباء: "نبيل.. لابد أن نعمل شيئا من أجل إخوتنا في غزة" -يقصد من خلال جمعية الأطباء- يتوافق الطرفان. يفتح نبيل الموضوع في إدارة الجمعية. يتم كل شيء سريعاً. يُعقد اجتماعاً طارئاً. تُشكل لجنة. تجمع التبرعات: " كان حينها موسم عاشوراء، عملنا محطات لجمع التبرعات ليلة تاسع وليلة عاشر. كانت هتافاتنا: انقذوا أطفال غزة بدينار. الناس تفاعلوا معنا. عملنا حملة في السيف وأخرى في جيان وفي العيادات، جمعنا مبالغ كبيرة. فُتح حساب لغزة باسم الجمعية".

يكمل العكري: "قمنا بتجهيز سيارتي إسعاف، وذهبنا إلى الحدود لتسليمها إلى أهل غزة مع مساعدات الأدوية. لم يكن في تخطيطنا الدخول بل فقط تسليم سيارات الإسعاف والمساعدات. عند الحدود، سمعنا أن هناك حاجة إلى جراحين وأطباء وأدوية في الداخل. كان قراراً صعباً. نحن أمام مغامرة ومخاطرة في آن واحد. أنا ونبيل نظر كل منا إلى الآخر. الزملاء الخليجيون انسحبوا. لم يطل معنا الأمر، قررنا أنا ونبيل البقاء والدخول إلى غزة. كنا وحدنا من الخليج بين حوالي 50 طبيبا وجراحا متطوعا من العالم".

عند المعبر، أعطى اتحاد الأطباء العرب لكل واحد شنطة مؤونة: "لا تستخدموا شنطة الطعام إلا إذا انقطعت بكم السبل". صار كل طبيب يحمل معه شنطتين، واحده لثيباه، وأخرى للمؤونة. لمدة خمسة أيام بقى الأطباء يذهبون للحدود كل يوم يحملون معهم حقائبهم، يعتصمون عند الحدود طوال اليوم، قبل أن يتم إرجاعهم بها في نهاية اليوم. تتصاعد وتيرة الضغط الدولي على النظام المصري، يُسمح لهم بالدخول في اليوم الخامس.

يتذكر العكري: "وقعنا أوراقا تفيد بأن ما سيحدث لنا هو مسؤوليتنا الشخصية، بعدها سمح لنا بالدخول. ركبنا باصا صغيرا طاف بنا أمتار قليلة قبل أن نصير داخل غزة. لم نصدّق أنفسنا. استقبلنا أرض غزة بالسجود على الأرض. صلينا ركعتين من شدة الفرح. وهناك، عايشنا تجربة مؤلمة ومخيفة مع القصف اليومي واللحظات القريبة من الموت. في المستشفى استقبلنا حالات جثث متفحمة وعالجنا إصابات قاتلة وخطيرة. بقينا هناك أسبوعاً كاملاً قبل أن تتوقف الحرب، وقبل أن نعود لبحريننا بسلام".

* يوم 14 فبراير

حتى هذا التاريخ، لم يكن العكري معنياً بالحدث، لكنه أيضاً لم يكن غائباً: "كوننا أطباء لا يعني أن لا علاقة لنا بما يحدث في الربيع العربي. مع ثورات تونس ومصر، شعرت أن البحرين مهيأة لهذه الثورة قبل تونس حتى، لم أكن معنياً حينها، فهمت أن البحرين مقبلة على شيء كبير، لكن رغم ذلك لم أتوقع أن تكون الحركة بهذا الزخم".

في المساء خرجت المسيرات في عدد كبير من المناطق في البحرين: "سمعنا خبر استشهاد المشيمع، هو ابن منطقتنا (الديه)، بيته قريب من منزل والدي (جاره). لم أكن في المستشفى حين سمعت الخبر. ذهبت مع ابن عمي الدكتور صادق العكري إلى المستشفى ودخلنا المشرحة. كان هناك الآلاف من الشباب المتجمهرين والغاضبين عند باب المشرحة. التقيت والد الشهيد وكان معه المحامي محمد الجشي. دخلنا المشرحة ورأيت الجثة بما عليها من آثار الإصابات: شوزن في منطقة الصدر تحديداً في الخلف الجهة اليسرى".

يكمل العكري: "طلب مني والده أن أتابع إجراءات الطب الشرعي ومن باب المؤازرة بقيت هناك. جاء الطبيب الشرعي وكان واضحاً عليه القلق والتردد. همّ بكتابة التقرير. استوقفته وقلت: ليس تخصصي الطب الجنائي، لكن أعتقد أن من أبجديات التشخيص معرفة سبب الوفاة، لماذا لا تطلب عمل أشعة للمتوفي؟ قال الطبيب: أنا أجزم أن هذا الصبي مقتول بطلق ناري، وهذا ما سأكتبه. اقترحت عليه عمل أشعة، قال: صعبة. كان هناك الإداري المناوب حينها (أحمد العم)، سألته: هل ممكن عمل أشعة. كان متعاوناً معنا ووافق. تم إحضار الأشعة المتحركة ( PORTABLE).أُخذت الأشعة وأُحضرت للطبيب. المرة الأولى التي نرى فيها انتشار الشوزن في جسد مصاب، كانت بمثابة نجوم في السماء، كلها جهة القلب".

يكمل العكري "حتى هذا الوقت لم يكن وجودي هناك إلا من باب الدعم الأخلاقي. تمّ أخذ أشعة من كل الجهات، تبين سبب الوفاة بشكل واضح، طلبتُ نسخة مبدئية من التقرير، قال الطبيب: سيجهز بعد أسبوع وسيعرض على النيابة. كتب الطبيب الشرعي على شهادة الوفاة بأنه يمكن تسليم الجثة للدفن. عدت البيت".

* يوم 15 فبراير

"عدت إلى المستشفى صباح اليوم التالي، مؤازرةً ذهبت لتسلم الجثة مع والد الشهيد. كانت الحشود متجمهرة بأعداد كبيرة عند المشرحة. طوابق المستشفى كلها تطل على التجمهر بتأثر بالغ. كان المنظر رهيباً وغير مسبوق. عند المشرحة وقفت سيارة جيب مغطاة بأعلام البحرين تم إعدادها لتسلم الجثمان".

يكمل العكري "كانت الشعارات كثيرة في الخارج، صلوات وأدعية وهتافات ضد النظام وضد القتلة ومايكرفون يتناوب بين الناس. خرج الجثمان مهيباً مفجعاً. وضع فوق السيارة وانطلقت الجنازة. لم أمش معها سوى قليل، وعدت من جهة عيادة الفاتح. كان التجمهر في الخارج كبيراً ويحملون يافطات. الحشود ممتدة من المشرحة إلى الشارع الرئيسي. مرور السيارات توقف".

لكن في الخارج كان ثمة ما حدث. عند المبنى المقابل لمستشفى السلمانية (بناية سناء) وقفت رافعة تابعة لوزارة الداخلية وعليها سيارة أمن عطبانة. يكمل العكري: "الجماهير كانت غاضبة ومنفعلة، توجه عدد من الشباب إلى السيارة وقاموا بمهاجمتها بأيد عزلاء، كنت حينها أقف على بعد أكثر من 50 مترا، فجأة سمعنا طلق نار، اتضح فيما بعد أنه شوزن. شعرت أن طلقة اعترضتني. وضعت يدي على رقبتي وجدت الدماء تسيل، كانت 5 طلقات شوزن قد استقرت في رأسي، لكنها إصابة سطحية، تراجعتُ مع مجموعة كبيرة داخل المستشفى. لم تكن سيارة النعش قد وصلت للبوابة بعد. الناس تراجعت وصارت اختناقات. تفاجأنا بالشباب يحملون شاباً آخر يركضون به. لم أتصور أنها إصابة قاتلة. كنت مشغولاً بنفسي وإصابتي. رجعت الجناح وقمت بتضميد جرحي ثم عدت. توجهت للطوارئ وسمعت أن هناك شابا يحتضر. كانت المستشفى فوضى عارمة".

يكمل "كان الطبيب المباشر حينها أمجد ديب (وهو أحد من شهد ضدنا فيما بعد) لم أتدخل، ذهبت للطوارئ وسألت عنه، عملوا له إنعاش القلب أكثر من مرة قبل أن يعلن موته. كان جاسم المهزع موجوداً وأنا جلست بجانبه. أُعلنت وفاة فاضل المتروك. سألت أمجد عن سبب الوفاة، قال: إصابة في الصدر. قلت له: لماذا لا تعمل أشعة لتثبيت سبب الوفاة. قال لي: سأسأل مسؤولي المباشر. لم يوافق المهزع".

الساعة بالكاد تجاوزت الثامنة صباحاً، جثمان آخر يخرج من المشرحة نحو التشييع. مسيرة أخرى حاشدة تخرج من طوارئ السلمانية إلى المشرحة. أجواء مفعمة بالفاجعة والحزن والصدمة. في الوقت نفسه كان جثمان الشهيد الأول يواصل مسيرته.


ماذا حدث في ظهر ذلك اليوم؟ وكيف عاش علي العكري هذه الأجواء؟ في الحلقة القادمة
 تنبيه مهم : عليك ان تقرأ الشروط عند تقديم اي طلب جديد والا سيتم حذف موضوعك •• اقرأ الشروط ••
تبارك النور القدوس الذي انبثقت به الحياة
وهج من نور
عضو متميز فعال
عضو متميز فعال
مشاركات: 563
اشترك في: الأحد 16-7-2006 8:05 pm
البرج: الدلو
الجنس: انثى
Bahrain

الدكتور علي العكري في التجربة الاصعب غزه ’14فبراير’ السج

مشاركة بواسطة وهج من نور »

ملف الطاقم الطبي : أخطر ما في حلق السلطة > علي العكري خيمة لكل الناس « 2 »
تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

مرآة البحرين (خاص): هذه الحلقات لم يُكتب لها أن تكتمل. قرار القبض كان أسبق منا وأنفذ.. الأربعاء 3 أكتوبر كان هو موعد جلستنا التالية مع الدكتور علي العكري. لكن نطق محكمة التمييز بتأييد حبسه لـ5 سنوات سبقنا في 1 اكتوبر، وتنفيذ قرار (القبض) سبقنا في 2 أكتوبر. 

سننشر ما أُنجز منها، مما خصنا به قبل أن يصير في قبضة الجلاد مرة أخرى، وسنكمل معكم يوماً باقي تفاصيل الحكاية، بلسان العكري نفسه.. 
نعدكم بذلك، ونعد التاريخ.. نعدكم أن نبقى أوفياء، نكتب تفاصيل كل سيرة صنعت هذه اللحظة الوطنية التي ما زلنا نعيشها، فتاريخ 14 فبراير هو مجموع هذه السير.


حتى صباح 15 فبراير، لم يكن العكري جزءاً من الحدث، كان في هامشه. لماذا استُهدف أكثر من غيره من الأطباء؟ ما الذي سببه للسلطة من وجع أكثر؟ ما الذي جعل الهجمة الشرسة عليه والانتقام منه أبلغ؟ هذا ما قد تكشفه لنا الحلقتان القادمتان.

سأحتفظ بالقبعة

لا نزال في يوم 15 فبراير. وردة الشهيد مشيمع لم تتوسد الأرض بعد حين سقطت وردة المتروك. المشاعر متأججة وغاضبة. لم يتوقع أحد أن يسقط جراء القمع قتيلين في أقل من 24 ساعة. الوتيرة تصاعدت سريعاً، كذلك الهتافات الغاضبة.

ظهراً، يتجه العكري مع أحد أصدقائه للمقبرة حيث يدفن الشهيد الثاني. من هناك، سمعا أن مسيرة اتجهت نحو الدوار. انطلقا بالسيارة. كانت المسيرة راجلة وحاشدة " ذهبت مع صديقي لنرى، رأينا المسيرة تتقدم نحو الدوار، أوقفنا السيارة عند (تقاطع القفول) وأخذنا ننتظر. تبين لنا بوادر وصول المسيرة إلى الدوار، لم يعترضها أحد من رجال الأمن، تحركنا نحن أيضاً، ذهبنا إلى الدوار، كنا من بين أول الواصلين".

ما إن وصلت الجموع عند (تقاطع القفول) حتى تحول المشي إلى جري، السابقون إلى الدوار، العشرات التي توافدت لم تلبث أن صارت مئات، والمئات تكاثرت إلى ألوف. في المكان نشوة الطقس ونعشة الحرية. صورة ميدان التحرير في القاهرة لا تزال تحرض البحرينيين: هل سيصير دوار اللؤلؤة ميدان تحرير البحرين؟ 

يتذكر العكري: "لم يلبث أن حضر ابراهيم شريف أمين عام جمعية وعد، أول الملتحقين بالشباب من الجمعيات السياسية. حمله الشباب على أكتافهم، أوصلوه إلى محيط النافورة، وقف فيهم وألقى خطبة مضمونها: يا شباب أنتم تصنعون التاريخ، هذا الميدان ميدانكم وهذه الثورة ثورتكم، لا تتركوا أحداً يقوم باختطاف ثورتكم، ونحن كجمعيات سياسية سنقدم لكم الدعم والمساندة". 

يكمل العكري " كانت الشمس حامية والعرق بدأ يتصبب من جبهة شريف، أخذت قبعتي ووضعتها على رأسه. كان شريف يوصي الشباب بالسلمية والابتعاد عن الشعارات الطائفية، يدعوهم إلى عدم الانسياق لشعارات التسقيط والسب، يحثهم على الوجود المستمر في الدوار كي لا يتركوا فرصة لاقتحامه وتفريق المعتصمين من قبل الأمن. الأجواء كانت حماسية جداً ومؤثرة".

بعد أن أنهى شريف كلامه ونزل عن صدر المكان التقى بالعكري. قال له الأخير: هذه القبعة عزيزة علي. كيف؟ سأل شريف. أجاب العكري: ذهبت معي غزة. سأحتفظ بها إذاً: قال شريف مبتسماً.

خيمتي بـ75 دينار

بدأ العكري يشعر بنفسه داخل هذا المكان، أحبّه. لم تلبث الخيم أن بدأت تُنصب. بعفوية ذهب إلى بيته الواقع في منطقة السهلة القريبة نسبياً من منطقة الدوار، أخرج خيمة صغيرة هي دعاية لمشروب (سفن أب)، عاد الدوار يحمل خيمته، اختار صديقه موقعاً باتجاه مباني أبراج اللؤلؤة، نُصبت الخيمة. 

يقول العكري: "جلسنا فيها مجموعة من الأصدقاء، أحببت المكان والطقس والحلم بالتغيير، شعرنا أنه يجب أن نكون جزءاً من الحدث بوصفنا مواطنين، لا بوصفنا أطباء، راودتنا فكرة المبيت في الدوار، تشجعنا".

غادر العكري إلى بيته لأخذ مجموعة من الألحفة للمبيت. عندما عاد، كانت الحشود قد أخذت تتوافد بلا توقف، وكانت ثمة منصة قد شيدت وميكرفونات علا صوتها، والخيم انتشرت في كل مكان، والناس تهيأت للمبيت، ومحادثات عن الحاجة لتثبيت خيمة طبية للحالات الطارئة. كان هذا من أهم الأمور التنظيمية التي لا بد من البدء بها. "دخلت الخيمة الطبية وكانت فارغة وقتها، بها منضدة واحدة في الوسط، وهناك يقف كل من المسعف حسن واعظي والدكتورة ندى ضيف وعدد من الشباب المتعاونين"، يكمل: "عملت اجتماعاً مصغراً مع بعض الأطباء حديثي التخرج. تكلمت معهم، قلت لهم بضرورة أن لا يقوم العمل على الفزعة، وأنه لا بد من جدول مناوبات. أخذنا قائمة بأسماء المتطوعين من الأطباء والممرضات والمساعدين والدعم اللوجستي. عملنا قوائم وحصرنا الاحتياجات. بشكل غريب جهزت التأثيثات كلها في اليوم الثاني". 

انقضى ذلك اليوم، ودخل يوم 16 فبراير. العكري المأخوذ بالحماس والمكان يقرر الذهاب إلى الدوار بعد انتهائه من الدوام. "كانت لدي عيادتي الخاصة عصراً، ألغيتها، ذهبت مع صديقي إلى مجمع جيان القريب من الدوار، واشترينا خيمة سعرها 75 ديناراً، كانت القطعة الأخيرة لديهم. ذهبنا من فورنا ونصبناها، شيدت خلال دقائق، لم نعتمد على أوتادها لأنها ضعيفة، الشباب أحضروا (أصياخ حديدية) وثبتوا الخيمة بشكل قوي. هناك أنت لست وحدك في أي شيء، الكل يريد أن يساعد ويساهم. كان الطقس الجوي رائعاً، وكذلك   الطقس الاجتماعي. أقمنا الخيمة في موقع مطل على المنصة، موقع استراتيجي بالفعل، كان من الذكاء اختيار هذا المكان". 

الخيمة الطبية

بدأت الاستعدادات لتجهيز خيمة طبية وخيمة للمفقودين. وضعت الخيمة الطبية في الجهة المقابلة لمحلات المنتزه التجارية. أوقف الشباب سيارة (جيمس) قريباً من الخيمة، تم إعدادها لحالات الإسعاف. لم تكن الفكرة من أجل طوارئ المواجهات، بل من أجل الإصابات العادية والحالات الطارئة.

الخيمة الطبية بدأت تصير خيمة مرتبة وكأنها بالفعل مستوصف صغير. في اليوم الثاني كان عدد كبير من الأطباء يتواجدون فيها. صار حضور منقطع النظير من الأطباء المتطوعين. وصار الوجود في الخيمة بشكل منظم. الأطباء تبرعوا بأجهزة من عياداتهم. أتت التبرعات من كل مكان. يقال إن الخيمة كان بها أجهزة وأدوية بقيمة 9 آلاف دينار. ندى ضيف سألت ما الذي تحتاجونه من أدوات، وذهبت لبعض الصيدليات وجمعت تبرعات وأثثت. كان لدينا رفض تام أن يتم إحضار أي شيء من السلمانية. لكي لا يحسب علينا. عينات كثيرة أخذتها إلى هناك من عيادتي".

يقول العكري "أول اختبار لنا، كان سقوط أحد الشباب من قواعد أعمدة اللؤلؤة، سقط من ارتفاع قدرة طابق ونصف من الجهة المطلة على البحر. سمعنا نداء في المكرفون يطلب طبيباً بشكل عاجل، ذهبت من فوري ورأيته ملقى على الأرض، لم تكن إصابته بليغة، لكن كان من المهم نقله بشكل آمن، لهذا طلبت له الإسعاف، قلت لهم: أعتقد أن لديه إصابة في العمود الفقري، خلال دقائق حضر الإسعاف، حملوه بشكل مهني ودقيق، نقل إلى المستشفى".

يكمل العكري: "صار ما يشبه المشادة بيني وبين مسؤول الخيمة الطبية، كان خائفاً أن يعتقل، وكان كل تفكيري حينها في إنقاذه. مرت علينا حالات متعددة وبسيطة طوال الليل. كانت ليلة تجريبية. في نفس الليلة تم وضع بعض الأسرة للمرضى، وكراسي، وتم قسم الخيمة   للجنسين، وصار نظام تسجيل. سألوني عن موعد مناوبتي لتثبيتها، قلت لهم الليلة، أخذت مناوبة آخر الليل. صرت المسؤول المناوب في تلك الليلة ومعي صادق العكري و4 ممرضات".

17 فبراير/ الفجر الأسود

كان كل شيء يعبق برائحة الحرية: الحلم الذي صار لؤلؤة بيضاء تتوهج، الميدان التي صار صبحاً يتنفس، الاجتماع البشري الذي صار كثافة من الوطن والإنسان، والطقس الذي كان يحرّض على عدم الاستسلام إلا للتغيير، كل ذلك يجعل الحلم يأتيك مستيقظاً، وتكف عن النوم. 

"قضيت معظم الوقت ليلتها في خيمتي مع أصدقائي، كنا نتفقد المحيط بين الحين والحين، تتملكنا مشاعر غامرة بالتنفس والحرية والرغبة في معانقة الحلم. كان الوضع العام للحضور هو عوائل مع أطفال، عند الواحدة بعد منتصف الليل بدأ الهدوء يخيم على الدوار. وبدأ البرد يصير أكثر. الأصوات بدأت تخفت وتنام. عند الساعة الثانية فجراً، قلت للطبيب المناوب في الخيمة الطبية: هذا رقم هاتفي،وسأذهب إلى الخيمة الخاصة بي وهي قريبة في حال حدث أي طارئ".

يكمل العكري: "جلست مع الأصدقاء نتسامر وبدأ التعب يظهر علينا. صادق العكري نام. عند قرابة الثالثة فجراً سمعت فوضى: "أكو طبوا..". كنت وحدي مستيقظاً مع أحد الأصدقاء. سمعت صوت من المكرفون يقول: "يا شباب هدوء ما في أي شي، فقط رددوا سلمية سلمية". العدد في الدوار كان قليلاً نسبياً. حاولت أن أيقظ صادق من النوم. قلت له: يبدو سيهاجمون. خرجت من الخيمة أنظر جهة الشمال، تفاجأت بأضواء سيارات الأمن، كذلك من جهة الجنوب، كانت القوات تنتشر في كل مكان بهدوء.  جاءني اتصال من الطبيب المناوب يقول: يبدو سيهاجمون. خرجت إلى الخيمة الطبية القريبة من خيمتي. لم تكن أكثر من هذه المسافة، لم أسمع أي نداء أو دعوة للتفرق، بدأت تصير بلبلة بين المعتصمين، وبدأت شعارات سلمية سلمية، وبدأ الطلق". 

في الخيمة الطبية، قامت الممرضات مباشرة بلبس الماسك (duble mask)، وأعطين العكري كي يلبسه أيضاً، "نظرت للخارج، كانت الفوضى عارمة، النساء يصرخن والأطفال، الطلق يأتي من 3 جهات، تركت جهة واحدة فقط، أغلقت الباب لحمايتنا من الطلقات التي تأتي من جهة أسواق المنتزه، كنت أرى الأمهات والأطفال أمامي يصرخن مرعوبات، وكان رجال الأمن يتقدمون بالقنابل الصوتية ومسيلات الدموع والمطاط. بدأ الناس يتوافدون إلى الخيمة الطبية، امتلأت كلها، بدأنا نعالج حالات الاختناق، تزايد العدد، لم نعد قادرين على السيطرة على كل هذا العدد. كنا في الأثناء نسمع الطلقات التي تلقى على الناس بشكل مكثف ومتواصل وكأننا في حرب. شعرت أنني عدت إلى غزة حيث كنا نعالج الجرحى وسط أصوات القصف والقذائف المتتالية. كان الجميع مرتعباً في داخل الخيمة الطبية ولا نعلم ماذا يمكن أن يحدث لنا. خيمتنا هي الأولى بالنسبة لقوات الأمن المتجهين نحو الدوار أي أنهم من الممكن أن يداهمونا في أية لحظة. هدأ الطلق قليلاً وسمعنا صوت القوات تتقدم ناحيتنا، خرجت لهم ورفعت يدي، قلت: أنا طبيب وهذه خيمة طبية. صوب أحدهم البندقية تجاهي وقال: ادخل. عدت من فوري". 

يكمل العكري: " كانت الناس قد تفرقت، وكنا نشهد ملاحقات الشباب في محيط الدوار، فرق من رجال الأمن دخلت مرتجلة إلى قلب الدوار. جزء منهم تجاوز الخيمة الطبية. أغلقنا باب الخيمة الثاني. انطفأ المولد. وبشكل متعمد هناك من أطلق قنبلة صوتية داخل الخيمة. بدأنا نشعر باختناق. قلت لمن معي: سنخرج على شكل مجموعة جهزوا أنفسكم. فتحنا الباب المطل على أسواق المنتزة. خرجنا ككتلة واحدة واخترقنا رجال الأمن، كان عددنا حوالي 10، حاول بعضهم مهاجمتنا، وبعضهم الآخر أشار علينا بالمغادرة، ركبنا سيارة أحد المعتصمين وخرجنا، كان الشباب يركضون أمامنا في الشارع العام. أوصلني البيت، كنت مختنقاً، لم تكن معي مفاتيح البيت، زوجتي والأطفال نيام، ذهبت من الجهة الخلفية للبيت، أخذت عصا، ألقيتها باتجاه غرفة الخادمة، استيقظت مذعورة وفتحت لي، ذهبت من فوري لأغسل وجهي، حرقني وجهي".

كيف مر صباح 17 فبراير على العكري الذي شهد بنفسه ما حدث في الدوار؟ وماذا حدث لابن عمه صادق العكري الذي كان نائماً في الخيمة؟ وكيف سارت تداعيات هذا اليوم واليومين التاليين؟  في الحلقة القادمة...

[youtube][/youtube]
تبارك النور القدوس الذي انبثقت به الحياة
صورة العضو الرمزية
خفايا الروح
عضو متميز فعال
عضو متميز فعال
مشاركات: 1304
اشترك في: الأحد 16-7-2006 8:05 pm
البرج: الميزان
الجنس: اختار واحد

الدكتور علي العكري في التجربة الاصعب غزه ’14فبراير’ السج

مشاركة بواسطة خفايا الروح »

لاحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
فرج الله عليكم اهل البحرين
ونصركم على من ظلمكم
اللهم خذ الظالمين بأخذ عزيز مقتدر
تبارك النور القدوس الذي انبثقت به الحياة
وهج من نور
عضو متميز فعال
عضو متميز فعال
مشاركات: 563
اشترك في: الأحد 16-7-2006 8:05 pm
البرج: الدلو
الجنس: انثى
Bahrain

الدكتور علي العكري في التجربة الاصعب غزه ’14فبراير’ السج

مشاركة بواسطة وهج من نور »

شكراا لمرورك الطيب اخي خفايا الروح بارك الله فيك و الله ان دعواتكم تجعلنا اقوى وان شاء الله صموووود✌
بدعواتنا ودعواتكم ان شاء الله سيخرج الدكتور من غياهب السجون ليكمل الحلقه القادمه وارجو ان تكون انت والاخوه من المتابعين،،، والله ان الدكتور علي يستاهل كل خير فهو يمتلك قلب مملوء بالانسانيه التى اوصلته لعلاج اخواننا في غزه حرام ان يكون في السجن لكن ماذا نقول الله على كل ظالم
قريباااا ان شاء الله الحلقه القادمه ///////
تبارك النور القدوس الذي انبثقت به الحياة
صورة العضو الرمزية
عاشقة الرضا
مشاركات: 2
اشترك في: الاثنين 20-8-2012 10:44 pm
البرج: العقرب
الجنس: اختار واحد

الدكتور علي العكري في التجربة الاصعب غزه ’14فبراير’ السج

مشاركة بواسطة عاشقة الرضا »

اختي الكريمة هيجتي جرح لم و لن يندمل فلقد عانينا الكثير في هذة الفترة رحم الله شهدائنا الابرار
ربنا ينصرنا و ينصر كل مظلوم في كل بقاع الارض
تبارك النور القدوس الذي انبثقت به الحياة
أضف رد جديد

العودة إلى ”مواضيع عامة ومتنوعة“